الجمعة، 21 نوفمبر 2025

بين المعادلة و البعد

كنت أتصفّح أحد الكتب القديمة التي درستها في سنوات الجامعة، كتاب Signal and Systems الذي كان حجر الأساس في تخصص الإلكترونيات. لم أكن أتوقع أن أعود إليه بعد كل هذا الوقت، لكن صفحة واحدة فيه كانت كفيلة بإيقاظ أسئلةٍ نائمة، ودفع ذهني إلى رحلةٍ علمية عميقة.
استوقفتني معادلة تتحدث عن الزمن الحاضر الذي يستغرقه الإلكترون لينتقل من موقعٍ إلى آخر. بدت المعادلة في ظاهرها شرحًا فيزيائيًا اعتياديًا، لكن ما إن تعمّقت في تفاصيلها حتى بدأت أمامي خطوطٌ رياضية تتجاوز حركة الإلكترون، لتلمّح — نظريًا — إلى إمكان الانتقال نحو المستقبل تحت ظروف استثنائية ترتبط بسرعاتٍ شديدة القرب من سرعة الضوء. ومن هنا، وعلى مبدأ التناظر في بعض النماذج، تظهر احتمالات للانتقال في الاتجاه المعاكس… نحو الماضي.
هذا الفضول دفعني لاسترجاع ما قرأته سابقًا في مجال المايكرويف، ولا سيما تلك النظريات التي تبحث في كيفية عبور الإشارات للأوساط والأبعاد المختلفة. كل صفحة كنت أقرؤها كانت تزيد يقيني بأن وراء هذا الكون نظامًا دقيقًا، محكمًا، تبرز فيه عظمة الخالق في كل معادلة، وفي كل ثابت فيزيائي، وفي كل احتمال يتجاوز حدود إدراكنا.
وبينما أتنقّل بين المراجع، اتضح لي أن الفيزياء لا تزال تتعامل يقينًا مع أربعة أبعاد فقط: الطول والعرض والارتفاع والزمن. وما وراء ذلك يدخل في مناطقٍ تأملية تحاول النماذج النظرية أن ترسمها حتى البعد الحادي عشر، وهي أبعاد لا نملك عنها إلا معادلاتٍ تفسّر الممكن… دون أن تحسم الحقيقة.

م. عبدالرحمن العمودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق